التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
صاعد الأندلسي وابن وافد من كبار علماء الأندلس في طليطلة في ظل دولة بني ذي النون، مقال بقلم د. راغب السرجاني مع دراسة لكتاب طبقات الأمم والأدوية المفردة
طليطلة.. مدينة العلماء
الواقع أنه لم يكن ببلاط طُلَيْطِلَة للشعر والأدب دولة زاهرة كما كان الشأن في إِشْبِيلِيَة وبَطَلْيُوس، إلا أنها شهدت دولة زاهرة في علوم الحياة: الرياضيات والطبِّ والنبات والزراعة، ومع هذا حرص المأمون على جمع الشعراء حوله، وكان منهم شاعره ابن أرفع رأسه صاحب الموشحات المشهورة، وكان ذلك سبيلاً إلى علوِّ شأن طُلَيْطِلَة كما كان في إِشْبِيلِيَة وبَطَلْيُوس، ومن مشاهير علماء طُلَيْطِلَة في ذلك الوقت ابن بصال العالم النباتي الشهير، وابن وافد الطبيب، والعلامة الرياضي ابن سعيد مؤلف تاريخ العلوم المسمى (طبقات الأمم)، والزرقالي، وعلامة طُلَيْطِلَة صاعد الأندلسي الطليطلي.
صاعد الأندلسي: (420-462هـ=1029-1070م)
هو القاضي أبو القاسم صاعد بن أحمد بن عبد الرحمن بن صاعد، الأندلسي التغلبي القرطبي الطليطلي، المالكي، أصله من قُرْطُبَة، يُعَدُّ علامة التاريخ في عصره، وكان من أهل المعرفة والذكاء، والرواية والدراية من تلاميذ الإمام ابن حزم، وهو أول مفكر عربي حاول تفسير طبائع البشر وفقًا لتغيُّرَات المناخ، وقد ولي قضاء طُلَيْطِلَة للمأمون بن ذي النون، وبقي فيها إلى أن مات.
أشهر كتبه كتاب (طبقات الأمم) الذي ألفه سنة (460هـ=1067م)، حاول فيه استكمال دراسة أستاذه ابن حزم الظاهري عن دور الأندلس في إنتاج العلوم، والتعريف بأهم الشخصيات الفكرية التي برزت في مختلف العهود الإسلامية، إلا أن دراسته اختلفت عن رسالة ابن حزم في (مراتب العلوم)؛ فهو لم يكتفِ بأخبار الكاتب، بل حاول التعريف بعصره وظروفه وبيئته، وبسبب شمولية الكتاب وَضَع مقدمة تحليلية للتعريف بتاريخ العلوم وتطور الأفكار واتصال الثقافات ببعضها من المشرق إلى المغرب وانتهاء بالأندلس وعصره، فجاءت دراسته تاريخية حاول من خلالها الردَّ على مسألتين: مجرى التطور، وصلة حلقات التطور ببعضها.
وحتى تكون إجابات صاعد واضحة في معالمها كان لا بد له من تجاوز حدود الأندلس والابتعاد عنها جغرافيًّا، والغوص في عمق الزمن إلى عهود سابقة على ظهور الديانات السماوية، واضطر بسبب المستجدات وتغيير خطة كتابه، أن يُعيد قراءة مراتب العلوم كونيًّا في سياق رؤية عالمية للتطوُّر الفكري وصولاً إلى العرب وظهور الإسلام والفتوحات الكبرى.
فرضت خطَّة الكتاب على صاعد أن يقوم بمراجعة شاملة وسريعة لتاريخ الأفكار ودور الأمم في صنعها وصلاتها ببعضها، كذلك حاول قدر الإمكان التعريف بالأمَّة والتعريف بأفكارها، ثم التعريف بأعلامها؛ حتى يربط حلقات التطوُّر في مجرى زمني هادف.
من كتبه: (جوامع أخبار الأمم من العرب والعجم)، و(صوان الحكم) في طبقات الحكماء، و(مقالات أهل الملل والنحل)، و(إصلاح حركات النجوم)، و(تاريخ الأندلس)، و(تاريخ الإسلام) [1].
ابن وافد (387-467هـ = 996-1074م)
هو الوزير أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عبد الكبير بن وافد بن مهند اللخمي الطليطلي، ولد بطُلَيْطِلَة ونشأ بها، وعاش في كنف بني ذي النون هناك، وهو أحد أشراف أهل الأندلس، وذوي السلف الصالح منهم، والسابقة القديمة فيهم، اعتنى –رحمه الله- بالطب والأدوية المفردة، وألَّف كتابه (الأدوية المفردة)، الذي قال عنه القاضي صاعد الأندلسي: وتمهَّر بعلم الأدوية المفردة حتى ضبط منها ما لم يضبطه أحد في عصره، وألَّف فيها كتابًا جليلاً لا نظير له، جمع فيه ما تضمن كتاب ديسقوريدس وكتاب جالينوس المؤلفان في الأدوية المفردة، ورتبه أحسن ترتيب.
ولابن وافد في الطب نظريته الشهيرة؛ إذ كان لا يرى التداوي بالأدوية ما أمكن التداوي بالأغذية أو ما كان قريبًا منها، فإذا دعت الضرورة إلى الأدوية فلا يرى التداوي بمركَّبِها ما أمكن التداوي بمفردها، فإن اضطر إلى المركَّب منها لم يُكثر التركيب، بل اقتصر على الأقل ما يمكنه منه.
ولابن وافد من الكتب: كتاب (الأدوية المفردة)، و(الوساد في الطب)، و(مجربات في الطب)، و(تدقيق النظر في علل حاسة البصر)، وكتاب (المغيث) [2].
التعليقات
إرسال تعليقك